دليل التعامل مع مدخراتك في ظل الأزمات المالية العالمية

دليل التعامل مع مدخراتك في ظل الأزمات المالية العالمية

 


يُرجّح أنك قرأت خلال السنتين الماضيتين أخبارًا عن احتمالية حدوث أزمة مالية عالمية جديدة، ومع تعاظم أثر فيروس كورونا كوفيد 19 يمكن أن نستشعر حالة الهلع التي تشهدها الأسواق في الوقت الذي أعلنت فيه عشرات الدول إغلاق مطاراتها ومعابرها بالكامل أمام حركة المسافرين، ما يعني بالتالي توقف أعمال شركات الطيران وإلغاء معظم الحجوزات والرحلات، الأمر الذي يضع تلك المنظومات تحت ضغوط وخسائر مالية هائلة، ناهيك عما يحدث في أسواق المال من موجات صعود وهبوط أسعار العملات والأسهم، إذ عانت البورصة على وجه الخصوص أسوأ أيام خسائرها منذ انهيار سوق الأسهم عام 1987
.

كل هذا يدعونا إلى التوقف قليلًا لإعادة ترتيب أولوياتنا المالية كي ننجو كأفراد من الأزمة المقبلة بأقل الخسائر الممكنة، بل ونستفيد من الأزمة من خلال إعادة النظر في أوضاعنا وعاداتنا المالية وتشكيل أموال وأصول أكثر صلابة لما بعد الأزمة ولأي أزمات لاحقة.

 

نوّع محفظتك المالية

بمجرد تأكدك من تأمين مبلغ من المال النقدي بين يديك بالعملة المحلية لمواجهة التحديات المحتملة، يأتي الوقت لتفكر في تنويع محفظتك المالية، فعادةً ما تضرب الأزمات المالية سوق الصرف وقد تؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة بعض العملات، ولمعرفة أي العملات التي ستحافظ على قيمتها بثبات أكبر يتوجب الخوض في الكثير من التحليل المالي والسياسي لكل عملة على حدة، ولكن كل ما عليك أن تعرفه أن عليك التحوط من خطر انخفاض قيمة العملات وعدم وضع كل البيض الذي تملكه في سلة واحدة، وعمومًا يعتبر الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني من أكثر العملات شيوعًا للادخار في تلك الظروف.

استثمر في الملاذات الآمنة

عندما تتأكد من حيازتك سيولة كافية لتسيير مصروفاتك اليومية، ربما يكون عليك البدء بالتفكير بالاستثمار فيما يعد ملاذات آمنة، التي هي عبارة عن استثمارات تزيد قيمتها عادة في الأوقات التي تمر بها الأسواق المالية بصعوبات عاصفة، إذ يتجه حاليًّا الكثير من المستثمرين لهذا الخيار في ظل تعاظم المخاوف المالية التي تعصف بالأسواق خصوصًا مع انتشار فيروس كورونا بشكل سريع وإعلانه وباءً عالميًا من منظمة الصحة العالمية.

لا شك أن المال النقدي يعتبر ملاذًا آمنًا خصوصًا إذا كان مكونًا من سلة عملات قوية، ولكن هناك ملاذات آمنة أخرى تتيح للمستثمرين أدوات تساعدهم في الحد من أي خسائر قد تلحق بأصولهم، بل وتتيح الفرصة أيضًا لتحقيق وجني أرباح في ظل انخفاض حركة الأسواق.

الذهب هو أبرز تلك الأدوات حيث يعد مخزنًا آمنًا للقيمة وأداة تحوط شعبية واستثمارية في نفس الوقت، فقد أثبت الذهب على مر سنوات طويلة أنه بديل مثالي للمال النقدي، إذ لا يتأثر بأسعار الفائدة أو بقدرة البنوك المركزية على طباعة المزيد من النقود، فالمعروض من الذهب ثابت والاحتياطات المقدرة منه تقريبًا ثابتة أيضًا، ومن الحكمة أن تستثمر في الذهب كلما لاحت بوادر أزمة مالية في الأفق.

 الذهب وأزمة 2008

قد يكون من الملهم أن نتذكر كيف خدم الذهب كملاذ آمن خلال الأزمة المالية عام 2008، فمع تفاقم الأزمة آنذاك فقد المعدن قيمته عندما بدأ المستثمرون والأفراد بيع مستحوذاتهم من الذهب لتعويض نقص السيولة الحاد الذي عصف بالعالم. لذلك تذكر أن أول خطوة هي التأكد من توافر سيولة كافية لتسيير احتياجاتك اليومية لفترة كافية، وبعدما تم التعامل مع أزمة السيولة والسيطرة عليها، ارتفعت أسعار الذهب بشكل كبير، حيث أقبل المستثمرون عليه كملاذ آمن لأموالهم، ومنذ ذلك الوقت وأسعار الذهب تشهد ارتفاعًا ملحوظًا لتصل إلى ما يزيد على 1.600 دولار للأونصة قبل أزمة كورونا.

قلل اعتمادك على راتبك الشهري

نظرًا إلى أن الكثير من الناس يعتمدون بشكل أساسي وكامل على راتب الوظيفة الشهري، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا يعتمد كل 3 أشخاص من كل 4 على راتبهم الشهري بشكل كامل.

ويطلق على هذه الفئة باللغة الإنجليزية مصطلح  ( paycheck to paycheck) وهي الشريحة التي كانت اكثر تضررًا خلال أزمة عام 2008، إذ فقد نحو 25 إلى 30 مليون شخص وظائفهم بسبب الانهيار الاقتصادي العالمي، وتصور أن تكون أنت أحد هؤلاء في الأزمات المقبلة وتتلقى مكالمة هاتفية من قسم الموارد البشرية في الشركة التي تعمل بها وتخبرك بأنه تم الاستغناء عن خدماتك بسبب اضطرار الشركة لتقليص العمالة أو لأنها تعرضت للإفلاس ببساطة، وحينها يكون السؤال: ما خطوتك المقبلة؟

أولًا، تتمثل خطورة هذا الوضع في وقت الأزمات بأن الكثير من الشركات والمؤسسات تضطر إلى تخفيض نفقاتها لتتمكن من التكيف مع الوضع الاقتصادي الجديد محاولةً الحفاظ على استمرارية اسمها وأعمالها في السوق، وهنا يصبح الكثير من العمال والموظفين عرضة لإنهاء تعاقداتهم، وفي هذه الحالة تواجه العديد من الأسر معضلة تأمين قوتهم اليومي بمعنى حرفي، حيث كانوا يعتمدون بشكل كامل على الدخل الشهري الذي لم يعد موجودًا، وبكل تأكيد لن يكون من اليسير الحصول على وظيفة أخرى فورًا وتحديدًا في ظل الأزمة.

ولهذا السبب يجب عليك أن تفكر في كيفية الاكتفاء ذاتيًا على الأقل فيما يخص أساسيات الحياة اليومية مثل إيجار المنزل أو مصروفات الطعام، فعلى سبيل المثال سيكون وضع العائلة القروية التي تسكن في منزلها الريفي وتجهز الطعام من محصول أرضهم أفضل بكثير من وضع أي عائلة تسكن في المدينة وتعتاش وتعتمد على راتب شهري بشكل كامل.

عليك أن تبدأ العمل من الآن على تحسين مستوى استقلاليتك المادية

طبعًا لا أقول هنا أن تحزم أغراضك وترحل عن المدينة بحثًا عن أقرب قرية في الجوار، ولكن القصد هنا لماذا لا تفكر بامتلاك قطعة أرض ريفية؟ فقد تكون ملاذ آمن لك ولأسرتك في أوقات الأزمات، علمًا بأن الأراضي الزراعية تحافظ على قيمتها إن لم تزد خلال أوقات الأزمات الاقتصادية.

 

ختامًا.. يجب أن ندرك أن الأزمات المالية حدث حتمي، تحصل كجزء طبيعي من دورة الاقتصاد الرأسمالي القائم على أساس المديونية، ولا يمكننا منع حدوث فترات الكساد خلال هذه الدورة، ولكن هناك دومًا أدوات تساعدنا على تجاوز الأزمات المالية بأقل قدر من الخسائر.

والدرس المستفاد من التاريخ الحديث هو أن الحكومات تدعم الشركات والمؤسسات الكبرى في وقت الأزمات المالية لتساعدها على تجاوز المرحلة لما في انهيار تلك الشركات من أضرار عميقة قد تؤدي إلى انهيار في اقتصاد الدولة أو إلى تهديد الاقتصاد العالمي كما حصل سنة 2008 عندما لم تقدم الحكومة الأمريكية الدعم اللازم لبنك "ليمان براذرز"، ما أدى إلى حدوث أزمة مالية عالمية، كما يخبرنا التاريخ أيضًا أن الحكومات تتجاهل الأضرار التي تلحق بالشركات الصغيرة والأفراد أوقات الأزمات، وهنا تنبيه آخر بضرورة الاعتماد على أنفسنا ماليًا كي ننجو من الأزمات المالية المحتملة.

وبغض النظر عن وضعك الاقتصادي الحاليّ، عليك أن تبدأ العمل من الآن على تحسين مستوى استقلاليتك المادية، وأن تحافظ على سيولة كافية بشكل مستمر، وتقديم دعمك لمن هم حولك ليتمكنوا بدورهم من تجاوز الأزمة.